فصل: من فوائد صاحب المنار في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد صاحب المنار في الآيتين:

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ.
تَقَدَّمَ تَذْكِيرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالنِّعْمَةِ فِي آيَةٍ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مَقْرُونًا بِالْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللهِ، وَبِالْوَعْدِ بِالْجَزَاءِ عَلَيْهِ، وَالْأَمْرِ بِالْخَشْيَةِ مِنْهُ وَالرَّهْبَةِ لَهُ وَحْدَهُ. (وَهِيَ آيَةُ 40) وَتَلَاهَا آيَاتٌ أَمَرَهُمْ فِيهَا بِالْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَنَهَاهُمْ عَنْ لَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَكِتْمَانِهِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ وَبَّخَهُمْ عَلَى نِسْيَانِ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبِرِّ مَعَ أَمْرِهِمْ لِلنَّاسِ بِهِ وَتِلَاوَتِهِمُ الْكِتَابَ الدَّاعِيَ إِلَيْهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي لَوْ سَلَكُوهَا عُوفُوا مِنْ هَذَا النِّسْيَانِ، تِلْكَ الطَّرِيقُ هِيَ: الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ الَّتِي فَقَدُوهَا بِفَقْدِ رُوحِهَا، وَهُوَ: الْإِخْلَاصُ وَالْخُشُوعُ، وَبَعْدَ هَذَا عَادَ إِلَى التَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ بِنَوْعٍ مِنَ التَّفْصِيلِ، فَإِنَّ النِّعْمَةَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مُجْمَلَةٌ وَالْإِجْمَالُ يُنَبِّهُ الْفِكْرَ إِلَى الذِّكْرِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا تَلَاهُ التَّفْصِيلُ وَالْبَيَانُ كَانَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ تَامٍّ لِكَمَالِ الْفَهْمِ فَيَكُونُ التَّذَكُّرُ أَتَمَّ وَالتَّأَثُّرُ أَقْوَى، وَالشُّكْرُ عَلَى النِّعْمَةِ أَرْجَى.
ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا نِعْمَتَهُ، وَتَفْضِيلَهُ إِيَّاهُمْ عَلَى النَّاسِ، إِحْيَاءً لِشُعُورِ الْكَرَامَةِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَوَصْلِهِ بِالْأَمْرِ بِاتِّقَاءِ يَوْمِ الدِّينِ وَالْجَزَاءِ. وَهَذَا أُسْلُوبٌ حَكِيمٌ فِي الْوَعْظِ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ وَاعِظٍ أَنْ يَبْدَأَ وَعْظَهُ بِإِحْيَاءِ إِحْسَاسِ الشَّرَفِ وَشُعُورِ الْكَرَامَةِ فِي نُفُوسِ الْمَوْعُوظِينَ لِتَسْتَعِدَّ بِذَلِكَ لِقَبُولِ الْمَوْعِظَةِ وَتَجِدَ مِنْ ذَلِكَ الْإِحْسَاسِ مَعُونَةً مِنَ الْعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ النُّفُوسِ الْكَرِيمَةِ عَلَى عَوَامِلِ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ، فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا اسْتَشْعَرَتْ كَرَامَتَهَا وَعُلُوَّهَا إِلَى مَا فِي الرَّذَائِلِ مِنَ الْخِسَّةِ أَبَى لَهَا ذَلِكَ الشُّعُورُ- شُعُورُ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ- أَنْ تَنْحَطَّ إِلَى تَعَاطِي تِلْكَ الْخَسَائِسِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الْوَسَائِلِ لِمُسَاعَدَةِ الْوَاعِظِ عَلَى بُلُوغِ قَصْدِهِ مِنْ نَفْسِ مَنْ يُوَجِّهُ إِلَيْهِ وَعْظَهُ، ثُمَّ إِنَّ فِي الْوَعْظِ مَا يُؤْلِمُ نَفْسَ الْمَوْعُوظِ، وَحَرَجَا يَكَادُ يَحْمِلُهَا عَلَى النَّفْرَةِ مِنْ تَلْقِينِهِ، وَالِاسْتِنْكَافِ مِنْ سَمَاعِهِ، فَذِكْرُ الْوَاعِظِ لِمَا يُشْعِرُ بِكَرَامَةِ الْمُخَاطَبِ وَرِفْعَةِ شَأْنِهِ، وَإِبَاءِ مَا يَنْمِي إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ أَنْ يَدُومَ عَلَى مِثْلِ مَا يَقْتَرِفُ يُقْبِلُ بِالنَّفْسِ عَلَى الْقَبُولِ، كَمَا يُقْبِلُ الْجَرِيحُ عَلَى مَنْ يُضَمِّدُ جِرَاحَهُ وَيُسَكِّنُ آلَامَهُ.
أَلَا وَإِنَّ هَذَا الشُّعُورَ، شُعُورَ الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ، مُلَازِمٌ لِلْإِنْسَانِ لَا يُفَارِقُهُ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَضْعُفُ حَتَّى لَا يَظْهَرَ لَهُ أَثَرٌ، وَفِي تَحَرِيكِ الْوَاعِظِ لَهُ اعْتِرَافٌ ضِمْنِيٌّ بِكَرَامَةٍ وَفَضْلٍ لِلْمَوْعُوظِ يَشْفَعَانِ لَهُ بِمَا يَسْتَلْزِمُهُ الْوَعْظُ مِنْ مَظِنَّةِ الْإِهَانَةِ فَيَسْهُلُ احْتِمَالُهُ وَيَقْرُبُ قَبُولُهُ.
شُعُورُ الْعِزَّةِ وَالْكَرَامَةِ أَمْرٌ شَرِيفٌ يُحْيِيهِ الْإِيمَانُ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، بَلْ يَسْتَلْزِمُهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ يَرَى أَنَّ لَهُ نِسْبَةً إِلَى الرَّبِّ الْعَظِيمِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُ سَنَدُهُ وَمُمِدُّهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَعْلُو نَفْسُهُ وَتَرْتَفِعُ كَمَا قِيلَ:
قَوْمٌ يُخَالِجُهُمْ زَهْوٌ بِسَيِّدِهِمْ ** وَالْعَبْدُ يَزْهُو عَلَى مِقْدَارِ مَوْلَاهُ

مَنْ كَانَ يَشْعُرُ لِنَفْسِهِ بِقِيمَةٍ أَوْ يَجِدُ لَهَا حَقًّا فِي أَنْ تَعِزَّ وَتُكْرَمَ، تَرَاهُ إِذَا خَلَا بِنَفْسِهِ وَتَذَكَّرَ أَنَّهُ أَلَمَّ بِنَقِيصَةٍ يَتَأَلَّمُ وَيَتَمَلْمَلُ وَيَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَإِذَا تَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُ أَنَّ قَلْبَهُ الَّذِي تَشَرَّفَ بِمَعْرِفَةِ اللهِ تعالى: وَأَنَّ شَرَفَ تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ خَلَّصَهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ لِغَيْرِهِ وَصَيَّرَهُ مَرْبُوبًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَرْفَعِ وَأَكْرَمِ كَرِيمٍ سَوَاءٌ- إِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ، لَمْ يَرَ مِنَ اللَّائِقِ بِمِثْلِ هَذَا الِاخْتِصَاصِ أَنْ يُجَاوِرَهُ مَا يُدَنِّسُهُ مِنَ الِاسْتِبْعَادِ لِمَا يُذِلُّهُ، بَلْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ الشُّعُورَ الظَّاهِرَ وَالْعِرْفَانَ الْهَادِيَ إِلَى مَقَامَاتِ الْكَرَامَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي مَوْطِنِهِ مِنَ الْقَلْبِ دَنَسٌ مِنْ رِجْسِ الرَّذَائِلِ فَيَنْفِرُ مِنْ هَذِهِ الْمُزَاحَمَةِ وَتَثْقُلُ عَلَيْهِ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ التَّزَكِّي مِمَّا أَلَمَّ بِهِ وَالْإِنَابَةُ إِلَى اللهِ تعالى قَالَ: لِهَذَا بَدَأَ اللهُ تَعَالَى تَذْكِيرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا بَدَأَ وَثَنَّى بِمَا ثَنَّى.
وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مِنَ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ مَا يُشْعِرُ بِغِلَظِ طِبَاعِهِمْ وَفَسَادِ قُلُوبِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَتَأَدَّبُ بِإِحْيَاءِ إِحْسَاسِ الْكَرَامَةِ، يُؤَدَّبُ بِالتَّأْنِيبِ وَالْإِهَانَةِ.
الْعَبْدُ يُقْرَعُ بِالْعَصَا ** وَالْحُرُّ تَكْفِيهِ الْإِشَارَةْ

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} مُؤَكِّدٌ لِمِثْلِهِ فِي الْآيَةِ 40 وَتَمْهِيدٌ لِمَا عَطَفَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَفْصِيلِ الْإِجْمَالِ فِي الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ بَيَانِ كُفْرِهِمْ لِلنِّعَمِ، وَمَا تَخَلَّلَهَا مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْحُجَجِ، وَأَوَّلُهُ وَأَعْلَاهُ قَوْلُهُ: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أَيْ: أَعْطَيْتُكُمْ مِنَ الْفَضْلِ- وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِيمَا يَحْسُنُ- مَا لَمْ أُعْطِ غَيْرَكُمْ مِنَ الشُّعُوبِ- حَتَّى ذَاتِ الْمَزَايَا الدُّنْيَوِيَّةِ- كَالْمَصْرِيِّينَ وَسُكَّانِ الْبِلَادِ الْمُقَدَّسَةِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مَعْنَاهُ: نَادَاهُمْ بِاسْمِ أَبِيهِمُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ عِزِّهِمْ وَسُؤْدُدِهِمْ وَمَنْشَأُ تَفْضِيلِهِمْ، وَأَسْنَدَ النِّعْمَةَ إِلَيْهِمْ جَمِيعًا لَا إِلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ عَمَّتْهُمْ، وَالتَّفْضِيلَ شَمَلَهُمْ، ثُمَّ طَفِقَ يُفَصِّلُ النِّعْمَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُجْمَلَةً فِيمَا سَبَقَ بِذِكْرِ أُمَّهَاتِ أَنْوَاعِهَا، فَذَكَرَ تَفْضِيلَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ بِمَحْضِ كَرَمِهِ وَفَضْلِهِ، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ، وَالتَّفْضِيلُ هُوَ مَنَاطُ الْأَخْذِ بِالْفَضَائِلِ وَتَرْكِ الرَّذَائِلِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَرَى نَفْسَهُ رَذْلًا خَسِيسًا، لَا يُبَالِي مَا يَفْعَلُ.
وَمَنْ يَرَى نَفْسَهُ مُفَضَّلًا مُكَرَّمًا، فَإِنَّهُ يَتَرَفَّعُ عَنِ الدَّنَايَا وَالْخَسَائِسِ الَّتِي تُدَنِّسُ شَرَفَهُ وَتَذْهَبُ بِفَضْلِهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي التَّذْكِيرِ بِالتَّفْضِيلِ: أَنْ يَتَذَكَّرُوا أَنَّ الَّذِي فَضَّلَهُمْ لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ غَيْرَهَمْ كَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ، وَتَنْبِيهُهُمْ إِلَى عَدَمِ الذُّهُولِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِيُذَكِّرُوهَا عِنْدَ أَمْرِ النَّاسِ بِالْبِرِّ، وَيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ أَوْلَى بِأَنْ يَبِرُّوا مِمَّنْ يَأْمُرُونَهُمْ بِالْبِرِّ؛ لِأَنَّهُمْ يَنَالُونَ الْكِتَابَ الدَّاعِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ آيَةُ تَفْضِيلِهِمْ. وَإِلَى أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِاسْتِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي أُوتِيَهَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَجْدَرُ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، فَإِنَّ الْمُفَضَّلَ أَوْلَى بِالسَّبْقِ إِلَى الْفَضَائِلِ مِمَّنْ فُضِّلَ هُوَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ إِنَّ الْفَضْلَ عَلَى الْعَالَمِينَ إِنْ كَانَ بِكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ فَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ شَعْبٌ مِنَ الشُّعُوبِ يُزَاحِمُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَزِيَّةِ، وَلَا تَقْضِي هَذِهِ الْفَضِيلَةُ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ أَفْضَلَ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مَنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا تُنَافِي أَنْ يَفْضُلَهُمْ أَخَسُّ الشُّعُوبِ- بَلْهَ غَيْرُهُ- إِذَا هُمُ انْحَرَفُوا عَنْ هَدْيِ أَنْبِيَائِهِمْ وَتَرَكُوا سُنَّتَهُمْ وَاهْتَدَى إِلَيْهَا ذَلِكَ الشَّعْبُ الَّذِي كَانَ مَفْضُولًا. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ التَّفْضِيلِ هُوَ الْقُرْبُ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِمَرْضَاتِهِ، فَلابد مِنْ تَخْصِيصِهِ بِأُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُهْتَدِينَ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ وَالتَّابِعَيْنِ لَهُمْ فِيهِ، وَمِنْ تَقْيِيدِهِ بِمُدَّةِ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ التَّفْضِيلَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أَيْ وَاحْذَرُوا يَوْمًا عَظِيمًا أَمَامَكُمْ سَيَقَعُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ مَا لَا مَنْجَاةَ مِنْ هَوْلِهِ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ، فَهُوَ يَوْمٌ لَا تَقْضِي فِيهِ نَفْسٌ- مَهْمَا يَكُنْ قَدْرُهَا عَظِيمًا- عَنْ نَفْسٍ مَهْمَا يَكُنْ ذَنْبُهَا صَغِيرًا شَيْئًا مَا، كَحَمْلِ وِزْرِهَا أَوْ تَكْفِيرِ ذَنْبِهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى (35: 18) وَصَفَ الْيَوْمَ بِهَذَا الْوَصْفِ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَثَلًا؛ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، فَلَيْسَ فِيهِ مَا اعْتَادَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ دِفَاعِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ. وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّلِ سُورَةٍ بِقَوْلِهِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [1: 4] ثُمَّ وَصَفَهُ هُنَا بِوَصْفٍ آخَرَ يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ فَقَالَ: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَلَا تُقْبَلُ بِالتَّاءِ، وَالْمَعْنَى: لَا يَقْبَلُ مِنْهَا أَنْ تَأْتِيَ بِشَفِيعٍ يَشْفَعُ لَهَا، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا فِدَاءٌ أَوْ بَدَلٌ إِنْ هِيَ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تَأْتِيَ بِذَلِكَ كَمَا يَظُنُّ أَكْثَرُ الْكُفَّارِ، وَلَنْ تَسْتَطِيعَ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ بِالْآيَةِ نَفْيُ أَنْ يَدْفَعَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ الْعَذَابَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُحْتَمَلٍ، وَفَصَّلَ هَذِهِ الْوُجُوهَ بِمَا يَشْمَلُ الثَّلَاثَ الْمَنْفِيَّةَ، وجملة الْمَعْنَى: أَنَّهُ يَوْمٌ لَا تَأْثِيرَ لِأَحَدٍ فِيهِ وَلَا كَسْبَ، وَلَا يَنْطِقُ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ- تَعَالَى. وَقَالَ الْجَلَالُ: أَيْ لَيْسَ لَهَا شَفَاعَةٌ فَتُقْبَلُ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تعالى حكاية عَنِ الْمُجْرِمِينَ فِي الْآخِرَةِ: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [26: 100] الآية وَفَسَّرَ الْعَدْلَ بِالْفِدَاءِ قَالَ: {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} أَيْ يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللهِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَلَا دَلِيلَ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّفَاعَةِ، وَإِنَّمَا السِّيَاقُ فِي الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمٌ تَنْقَطِعُ فِيهِ الْأَسْبَابُ، وَتَبْطُلُ مَنْفَعَةُ الْأَنْسَابِ، وَتَتَحَوَّلُ فِيهِ سُنَّةُ هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنِ انْطِلَاقِ الْإِنْسَانِ فِي اخْتِيَارِهِ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَدْلِ وَالْفِدَاءِ، وَيَسْتَعِينُ عَلَى الْمُدَافَعَةِ بِالشَّفَاعَةِ عِنْدَ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ، وَقَدْ يُوجَدُ لَهُ فِيهَا أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَهُ بِالْحَقِّ وَبِالْبَاطِلِ عَلَى سَوَاءٍ، بَلْ يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ شَأْنٌ آخَرُ مَعَ رَبِّهِ، تَضْمَحِلُّ فِيهِ جَمِيعُ الْوَسَائِلِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ إِخْلَاصِهِ فِي عَمَلِهِ، قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ، وَرَحْمَةِ اللهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ لَهُ، لِضَعْفِ حَوْلِهِ، وَضِيقِ طُولِهِ، وَأَنَّهُ يَوْمٌ لَا يَتَحَرَّكُ فِيهِ عُضْوٌ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَنْبِسَ بِكَلِمَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (82: 19).
كَانَ الْيَهُودُ الْمُخَاطَبُونَ بِبَيَانِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ كَغَيْرِهِمْ مِنْ أُمَمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَهْلِ الْمِلَلِ الْوَثَنِيَّةِ، كَقُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَالْيُونَانِ يَقِيسُونَ أُمُورَ الْآخِرَةِ عَلَى أُمُورِ الدُّنْيَا، فَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَخَلُّصُ الْمُجْرِمِينَ مِنَ الْعِقَابِ بِفِدَاءٍ يُدْفَعُ بَدَلًا وَجَزَاءً عَنْهُ- كَمَا يَسْتَبْدِلُ بَعْضُ حُكَّامِهِمْ مَنْفَعَةً مَالِيَّةً بِعُقُوبَةٍ بَدَنِيَّةٍ- أَوْ بِشَفَاعَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُقَرَّبِينَ إِلَى الْحَاكِمِ يُغَيِّرُ بِهَا رَأْيَهُ وَيَفْسَخُ إِرَادَتَهُ. وَلَقَدِ اكْتَسَحَ الْإِسْلَامُ هَذِهِ الْعَقَائِدَ وَآثَارَهَا الْعَمَلِيَّةَ بِالتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ، وَأَتَى بُنْيَانَهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسْلَمُوا مِنْهَا فَقَدْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ أَوْزَارًا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْوَثَنِيَّةِ، وَلَمْ يُلَقَّنُوا الدِّينَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا كَمَا أَرْشَدَ الْقُرْآنُ، وَلَكِنَّهُمْ تَقَلَّدُوهُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَلُقِّنُوهُ كَمَا تُرْشِدُ إِلَيْهِ كُتُبُ التَّقْلِيدِ مِنْ مُصْطَلَحَاتٍ مُبْتَدَعَةٍ، فَكَانُوا عَلَى بَقِيَّةٍ مِمَّا كَانَ عِنْدَهُمْ وَعَلَى جَهْلٍ بِالْإِسْلَامِ، وَجَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ تَعَمَّدُوا الْإِفْسَادَ فَجَعَلُوا بِالتَّأْوِيلِ الْبَاطِلَ حَقًّا، وَالْكَذِبَ صِدْقًا.
وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُنَا بَعْضَ الْعَادَاتِ الْمِصْرِيَّةِ الَّتِي لَا تَزَالُ يُعْمَلُ بِهَا بِاسْمِ الدِّينِ، وَهِيَ مِنْ إِرْثِ قُدَمَاءِ الْوَثَنِيِّينَ، كَإِعْطَائِهِمْ لِغَاسِلِ الْمَيِّتِ شَيْئًا مِنَ النَّقْدِ يُسَمُّونَهُ أُجْرَةَ الْمُعَدِّيَةِ أَيْ أُجْرَةَ نَقْلِهِ إِلَى الْجَنَّةِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْمَلُونَهُ لِلْأَمْوَاتِ، وَلِمَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمُ الْوِلَايَةَ وَالْقُرْبَ مِنَ اللهِ، وَمِثْلُهُ أَكْثَرُ تَقَالِيدِهِمْ فِي بِنَاءِ الْمَقَابِرِ وَاحْتِفَالَاتِهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُكَفِّرَاتِ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا الْيَهُودُ كَقُرْبَانِ الْإِثْمِ، وَقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ، وَقُرْبَانِ السَّلَامَةِ، وَالْمَحْرَقَةِ وَالِاكْتِفَاءُ مِمَّنْ لَمْ يَجِدِ الْقُرْبَانَ بِحَمَامَتَيْنِ يُكَفِّرُ بِهِمَا عَنْ ذَنْبِهِ، وَقَالَ: وَكَانُوا يَفْهَمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ بِذَاتِهَا، وَالْحَقُّ أَنَّهَا عُقُوبَاتٌ لَا مُكَفِّرَاتٌ فَإِنَّ مَنْ فَهِمَ التَّوْرَاةَ حَقَّ فَهْمِهَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُكَفِّرَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ التَّوْبَةُ وَالْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ، ثُمَّ تَقْدِيمَ الْقُرْبَأن يكون تَرْبِيَةً وَعُقُوبَةً. وَقَدْ أَخْبَرُهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ عَدْلٌ يَفْتَدِي الْإِنْسَانُ بِهِ. قَالَ: وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ بِانْتِسَابِهِمْ لِلْأَنْبِيَاءِ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ أَوْ لَا تَمَسُّهُمْ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً؛ لِأَنَّ لَهُمُ الْجَاهَ وَالتَّأْثِيرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَرْضَوْنَ أَنْ يَتْرُكُوا أَبْنَاءَهُمْ فِي الْعَذَابِ، ثُمَّ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ شَفَاعَةَ الْأَحْبَارِ لِمَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِمْ. وَمَتَى ضَعُفَ الدِّينُ يُوجَدُ مِنْ رُؤَسَائِهِ مَنْ يُرَوِّجُ هَذِهِ الْعَقَائِدَ فِي الْعَامَّةِ لِمَا تَسُوقُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَنَافِعِ. وَكَذَلِكَ كَانَ الْيَهُودُ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا فَمَحَا هَذِهِ الْعَقِيدَةَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْإِنْسَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَرْضَاةُ اللهِ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ الْخَالِصِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
فِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ نَاطِقَةٌ بِنَفْيِ الشَّفَاعَةِ مُطْلَقًا، كَقَوْلِهِ تعالى فِي وَصْفِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [2: 254] وَأُخْرَى نَاطِقَةٌ بِنَفْيِ مَنْفَعَةِ الشَّفَاعَةِ، كَقَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [74: 48] وَآيَاتٌ تُقَيِّدُ النَّفْيَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: {إِلَّا بِإِذْنِهِ} [2: 255] وَقوله: {إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [21: 28] فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْكُمُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَنَحْتَاجُ إِلَى حَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَيِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْإِذْنِ وَالْمَشِيئَةِ مَعْهُودٌ فِي أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ فِي مَقَامِ النَّفْيِ الْقَطْعِيِّ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ- عَزَّ وَجَلَّ-، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ} [87: 6، 7] وَقَوْلِهِ: {فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [11: 107] فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ قَطْعِيٌّ فِي وُقُوعِ الشَّفَاعَةِ، وَلَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِإِثْبَاتِهَا، فَمَا مَعْنَاهَا؟
الشَّفَاعَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ النَّاسِ: هِيَ أَنْ يَحْمِلَ الشَّافِعُ الْمَشْفُوعَ عِنْدَهُ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ كَانَ أَرَادَ غَيْرَهُ- حَكَمَ بِهِ أَمْ لَا- فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا بِتَرْكِ الْإِرَادَةِ، وَفَسْخِهَا لِأَجْلِ الشَّفِيعِ.
فَأَمَّا الْحَاكِمُ الْعَادِلُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الشَّفَاعَةَ إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَ عِلْمُهُ بِمَا كَانَ إِرَادَةً أَوْ حَكَمَ بِهِ؛ كَأَنْ كَانَ أَخْطَأَ ثُمَّ عَرَفَ الصَّوَابَ، وَرَأَى أَنَّ الْمَصْلَحَةَ أَوِ الْعَدْلَ فِي خِلَافِ مَا كَانَ يُرِيدُهُ أَوْ حَكَمَ بِهِ.
وَأَمَّا الْحَاكِمُ الْمُسْتَبِدُّ الظَّالِمُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ شَفَاعَةَ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَهُ فِي الشَّيْءِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَأَنَّ الْعَدْلَ فِي خِلَافِهِ، وَلَكِنَّهُ يُفَضِّلُ مَصْلَحَةَ ارْتِبَاطِهِ بِالشَّافِعِ الْمُقَرَّبِ مِنْهُ عَلَى الْعَدَالَةِ. وَكُلٌّ مِنَ النَّوْعَيْنِ مُحَالٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ إِرَادَتَهُ تَعَالَى عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ، وَعِلْمُهُ أَزَلِيٌّ لَا يَتَغَيَّرُ.
قَالَ شَيْخُنَا: فَمَا وَرَدَ فِي إِثْبَاتِ الشَّفَاعَةِ يَكُونُ عَلَى هَذَا مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ وَفِيهِ يَقْضِي مَذْهَبُ السَّلَفِ بِالتَّفْوِيضِ وَالتَّسْلِيمِ، وَأَنَّهَا مَزِيَّةٌ يَخْتَصُّ اللهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَبَّرَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الشَّفَاعَةُ ولَا نُحِيطُ بِحَقِيقَتِهَا مَعَ تَنْزِيهِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَنِ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ فِي لِسَانِ التَّخَاطُبِ الْعُرْفِيِّ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْخَلَفِ فِي التَّأْوِيلِ فَلَنَا أَنْ نَحْمِلَ الشَّفَاعَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا دُعَاءٌ يَسْتَجِيبُهُ اللهُ- تَعَالَى. وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الشَّفَاعَةِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُثْنِي عَلَى اللهِ تَعَالَى بِثَنَاءٍ يُلْهِمُهُ يَوْمَئِذٍ فَيُقَالُ لَهُ: «ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعُ» وَلَيْسَ فِي الشَّفَاعَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَرْجِعُ عَنْ إِرَادَةٍ كَانَ أَرَادَهَا لِأَجْلِ الشَّافِعِ وَإِنَّمَا هِيَ إِظْهَارُ كَرَامَةٍ لِلشَّافِعِ بِتَنْفِيذِ الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ عُقَيْبَ دُعَائِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَيْضًا مَا يُقَوِّي غُرُورَ الْمَغْرُورِينَ اللَّذِينَ يَتَهَاوَنُونَ بِأَوَامِرِ الدِّينِ وَنَوَاهِيهِ اعْتِمَادًا عَلَى شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، بَلْ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ أَحَدًا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا طَاعَتُهُ وَرِضَاهُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (74: 48، 49) ووَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (21: 28). اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}.
قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا} يذكرهم بهذا اليوم. وهو يوم القيامة الذي لا ينفع الإنسان فيه إلا عمله. ويطلب الحق سبحانه وتعالى منهم أن يجعلوا بينهم وبين صفات الجلال لله تعالى في ذلك اليوم وقاية.
إن هناك آية أخرى تقول: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة: 123].
وهذه الآية وردت مرتين. وصدر الآيتين متفق. ولكن الآية الأولى تقول: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} والآية الثانية: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} هل هذا تكرار؟ نقول لا. والمسألة تحتاج إلى فهم. فالآيتان متفقتان في مطلعهما: في قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا}.
ففي الآية الأولى قدم الشفاعة وقال: لا يقبل. والثانية أخر الشفاعة وقال لا تنفع. الشفاعة في الآية الأولى مقدمة. والعدل متأخر، وفي الآية الثانية العدل مقدم والشفاعة مؤخرة.. وفي الآية الأولى لا يقبل منها شفاعة. وفي الآية الثانية.. لا تنفعها شفاعة. والمقصود بقوله تعالى: {اتَّقُواْ يَوْمًا} هو يوم القيامة الذي قال عنه سبحانه وتعالى: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19].
وقوله تعالى: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} كم نفسا هنا؟ إنهما اثنتان. نفس عن نفس. هناك نفس أولى ونفس ثانية. فما هي النفس الأولى؟ النفس الأولى هي الجازية. والنفس الثانية.. هي المجزي عنها.. وما دام هناك نفسان فقوله تعالى: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} هل من النفس الأولى أو الثانية؟
إذا نظرت إلى المعنى فالمعنى أنه سيأتي إنسان صالح في يوم القيامة ويقول يا رب أنا سأجزي عن فلان أو أغني عن فلان أو أقضي حق فلان. النفس الأولى أي النفس الجازية تحاول أن تتحمل عن النفس المجزي عنها.
ولكي نقرب المعنى ولله المثل الأعلى نفترض أن حاكما غضب على أحد من الناس وقرر أن ينتقم منه أبشع انتقام. يأتي صديق لهذا الحاكم ويحاول أن يجزي عن المغضوب عليه. فبما لهذا الرجل من منزلة عند الحاكم يحاول أن يشفع للطرف الثالث. وفي هذه الحالة إما أن يقبل شفاعته أو لا يقبلها. فإذا لم يقبل شفاعته فإنه سيقول للحاكم أنا سأسدد ما عليه.. أي سيدفع عنه فدية، ولا يتم ذلك إلا إذا فسدت الشفاعة.
فإذا كانت المسألة وفي يوم القيامة ومع الله سبحانه وتعالى.. يأتي إنسان صالح ليشفع عند الله تبارك وتعالى لإنسان أسرف على نفسه. فلابد أن يكون هذا الإنسان المشفع من الصالحين حتى تقبل شفاعته عند الحق جل جلاله.
واقرأ قوله سبحانه: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه} [البقرة: 255].
وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28].
والإنسان الصالح يحاول أن يشفع لمن أسرف على نفسه فلا تقبل شفاعته ولا يؤخذ منه عدل ولا يسمح لها بأي مساومة أخرى. إذن لا يتكلم عن العدل في الجزاء إلا إذا فشلت الشفاعة.
هنا الضمير يعود إلى النفس الجازية. أي التي تتقدم للشفاعة عند الله. فيقول الحق سبحانه وتعالى: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} فلا يقبل منها أي مساومة أخرى. ويقول سبحانه: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. وهذا ترتيب طبيعي للأحداث.
في الآية الثانية يتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أن تستشفع بغيرها وتطلب منه أن يشفع لها. لابد أن تكون قد ضاقت حيلها وعزت عليها الأسباب. فيضطر أن يذهب لغيره. وفي هذا اعتراف بعجزه. فيقول يا رب ماذا أفعل حتى أكفر عن ذنوبي فلا يقبل منه. فيذهب إلى من تقبل منهم الشفاعة فلا تقبل شفاعتهم.
وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثلا من القرآن الكريم فاقرأ قول الحق تبارك وتعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12].
هؤلاء هم الذين يطلبون العدل من الله. بأن يعيدهم إلى الدنيا ليكفروا عن سيئاتهم. ويعملوا عملا صالحا ينجيهم من العذاب. ذلك أن الحسنات يذهبن السيئات.
فماذا كان رد الحق سبحانه وتعالى عليهم. قال جل جلاله: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَاذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14].
فهم عرضوا أن يكفروا عن سيئاتهم. بأن طلبوا العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحا. فلم يقبل الله سبحانه وتعالى منهم هذا العرض. اقرأ قوله تبارك وتعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأعراف: 53].
لقد طلب هؤلاء الشفاعة أولا ولم تقبل. فدخلوا في حد آخر وهو العدل فلم يؤخذ مصداقا لقوله تعالى: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. وهكذا نرى الاختلاف في الآيتين. فليس هناك تكرار في القرآن الكريم.
ولكن الآية التي نحن بصددها تتعلق بالنفس الجازية. أو التي تريد آن تشفع لمن أسرف على نفسه: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. والآية الثانية: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ}. أي أن الضمير هنا عائد على النفس المجزي عنها. فهي تقدم العدل أولا: {ارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} فلا يقبل منها، فتبحث عن شفعاء فلا تجد ولا تنفعها شفاعة.
وهذه الآيات التي أوردناها من القرآن الكريم كلها تتعلق بيوم القيامة.
على أن هناك مثلا آخر في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151].
والآية الثانية في قوله سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} [الإسراء: 31].
يقول بعض الناس إن {نرزقكم} في الآية الأولى {ونرزقهم} في الآية الثانية من جمال الأسلوب. نقول لا. قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ} أي من فقر موجود. وما دام الفقر موجودا فالإنسان لا يريد أولادا ليزداد فقره. ولذلك قال له الحق سبحانه وتعالى: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}. أي أن مجيء الأولاد لن يزيدكم فقرا. لأن لكم رزقكم ولهم رزقهم. وليس معنى أن لهم رزقهم أن ذلك سينقص من رزقكم.. فللأب رزق وللولد رزق. أما في الآية الثانية: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} فكأن الفقر غير موجود. ولكنه يخشى أن رزق بأولاد بأنه الفقر. يقول له الحق: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم}. أي أن رزقهم سيأتيهم قبل رزقكم.
فعندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى: {اتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} مكررة في الآيتين لا تظن أن هذا تكرار. لأن إحداهما ختامها: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. والثانية: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ}. فالضمير مختلف في الحالتين. مرة يرجع إلى النفس الجازية فقدم الشفاعة وأخر العدل. ولكن في النفس المجزي عنها يتقدم العدل وبعد ذلك الشفاعة.
الحق سبحانه وتعالى يقول: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا} [لقمان: 33].
أي أن الإنسان لا يمكن أن يجزى عن إنسان مهما بلغت قرابته.. لا يجزى الولد عن أمه أو أبيه. أو يجزى الوالد عن أولاده. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34- 37].
وقول الحق سبحانه وتعالى: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} {لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. العدل هو المقابل. كأن يقول المسرف على نفسه يا رب فعلت كذا وأسرفت على نفسي فأعدني إلى الدنيا أعمل صالحا. وكلمة العدل مرة تأتي بكسر العين وهي مقابل الشيء من جنسه. أي أن يعدل القماش قماش مثله ويعدل الذهب ذهب مثله. وعدل بفتح العين مقابل الشيء ولكن من غير جنسه. والعدل معناه الحق والعدل لا يكون إلا بين خصمين. ومعناه الإنصاف ومعناه الحق. والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير. وأنك لا تتحيز لجهة على حساب جهة أخرى. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يجلس مع أصحابه يوزع نظره إلى كل الجالسين.. حتى لا يقال أنه مهتم بواحد منهم عن الآخر.